قرأت المقال أكثر من مرة لأبحث عن سبب "الاستياء" من قبلك أخي hi profes على مثل هذا البرنامج.. واستطعت حصرها في:
1. ضعف الدخل (مشكلة مادية).
2. هضم لحقوق المواطنين حاملي الشهادات مقابل الوافدين (مشكلة وظيفية).
3. تحد من طموح العامل فيها.

وتم الإيضاح في أكثر من موطن في المقال بأن العمل مادام مباحاً ويغني صاحبه عن السؤال فليس بالعيب. ومن نقطة الاتفاق هذه سأبدأ الرد..

شريحة العاطلين عن العمل تضم مستويات مختلفة عمرياً وأكاديمياً ومادياً وثقافياً أيضاً. هذا المشروع وأمثاله يتعامل مع من لم يجد أي وظيفة.. وتحديداً أولئك الذين ينتمون إلى العمر الصغير وبلا تحصيل أكاديمي يذكر بالإضافة إلى ضعف الحالة المادية للعائلة بشكل مجمل والتي غالباً ما تكون ملازمة لوضع ثقافي معين.

لماذا يتم استهداف تلك الشريحة بالذات؟ لأن الذي لا يمتلك شهادة جامعية ولكن ينتمي لعائلة لها سمعة بين الناس وقوية مادياً لن يواجه أي مشاكل.. فهو حتماً سيعمل في أحد شركات العائلة وستجد رصيده مليء بالأرقام بعد سنوات قليلة من توظيفه. وهنا لا يستطيع أحد أن يناقش.. فهي شركة الأسرة والمال ملك له في النهاية.. وله كامل الحق أن يعمل فيها وإن كان مركزه أعلى من المهندسين والإداريين التابعين للشركة..

أما من يمتلك شهادة جامعية "بكالوريوس" منتمياً للعوائل ذات الدخل المتوسط وبلا واسطة في أي مجال مساعد. فهو لابد وبإذن الله سيجد وظيفة "تمشي وتستر الحال" وإن طال به المقام لبضع سنوات بالبحث.

مشكلتنا كشعب أننا لا نحسن إدارة أولوياتنا.. ونسعى وراء المظهر وإن كان الثمن مكلفاً.. فأنت ترى شخصاً تعرفه جيداً وتعرف مستواه العادي مادياً.. لكنه يضع أمواله القليلة في محفظة LV .. وأيضاً يرتدي الملابس من ماركات معروفة بغلاء أسعارها.. وطبعاً لا يستقر على جهاز جوال خلال سنة واحدة.. ويغض الطرف عن أي مسؤوليات مستقبلية قد يلتزم بها في أي لحظة في حياته.. كوفاة الوالد لا سمح الله.. أو أي ظرف قد لا يأتي على بال.. وإن أوردت هذا المثل هنا عن الشباب.. فالموضوع بالنسبة للبنات أسوأ بكثير.. فأنا أرى الفتاة ذات المستوى العادي جداًَ أو أقل من العادي بقليل.. تنتظر أشهراً لتجمع المبلغ المناسب لشراء "الشنطة الفلانية" !!

هذا السعي حول المظاهر والتجمل الزائف الذي لا يأتي عن قدرة وإنما عن تبعية ساذجة أنتج شباباً ينفق المال يمنة ويسرة دون جدوى تعود عليه أو على أهله في الحال أو المستقبل.. دعني أوضح بمثال بسيط.. وهو مقطع بلوتوث لأحد الأولاد ممن ينتمون إلى الأحياء الشعبية.. هذا الولد بالرغم من سحنة الفقر الواضحة عليه.. فهو يحلف أنه اشترى "جوارب وحذاء وانتو بكرامة" بألفين وخمس مئة.. الحذاء وحده بألفين.. والجوارب بخمس مئة "ويصرّ على أن سعر الجورب مختلف عن سعر الحذاء في المقطع بشكل غريب!!".. الهدف من المقطع كان الضحك والسخرية من تلك العقلية.. التي تستجيب فوراً لأي شيء تمليه النفس.. حتى لو افترضنا أن الجوارب و الحذاء كان تقليداً لماركة.. أو دعنا نقول أنه سرقها من أي مكان.. ألا يكفي الوضوح الشديد لتقليد عموم الناس والالتحاق بركب أصحاب الملايين فقط بالشكليات ليكون من أصحاب "الغنى الأجوف" !!..

ولأنصف هذه الشريحة التي تمتلك هذا الطابع من الثقافة "ثقافة التبعية" فهناك منهم أفراداً في الأسر قد أدركوا هذا الخطأ.. وخطأ أن يعيشوا حياتهم بانتظار الصدقات والزكوات من الناس.. أو بأساليب الخداع والبضائع المغشوشة.. أعرف واحدة من مستحقي الزكاة.. تدرس في جامعة الملك سعود في أحد الكليات التربوية.. الفتاة واعية جداً وهي لأم تعاني ضعفاً عقلياً وأخوها قد ورث الضعف العقلي عن أمه.. والعائلة كانت تعيش على مصروف البنت الجامعي 800 ريال.. أين الأب؟؟ توفي منذ سنوات.. هل تعرف ما حال البنت اليوم؟؟ بحثت عن وظيفة تناسب إمكانيات مواصلاتها وكذلك الفتاة لا تملك من الوقت الكثير حتى تبحث فهي بحاجه إلى أي عمل.. فلم تجد غير أن تكون بائعة في "مقصف" أحد المدارس بمرتب 500 ريال..

أرئيت كيف أن للضرورة أحكام؟؟ أبناء هذه الطبقة (الفقيرة، وضع اجتماعي معين من حيث المسؤوليات، بلا شهادة أو شهادة بسيطة) قد لا يفكرون أمام أي عرض وظيفي.. طالما أنهم سيأكلون منه بالحلال.. ويسترون على أنفسهم.. ويرددون.. لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا..
ثم مالغريب أن يكون السعودي حلاقاً؟؟.. في الصين من يحلق للناس غير الصينيين؟ في إيطاليا من يحلق غير الإيطاليين؟ في أمريكا من يحلق غير الأمريكيين.. فلماذا أصبحت الحلاقة عملاً لا ينبغي للسعودي أن يكتسب من ورائها نفعاً؟؟
***
أما عن شغل الوافدين للكثير من المناصب على حساب أبناء البلد.. فهذا شيء لابد منه في كل مكان وأي دولة.. قد يكون ذلك للخبرة المقدمة.. أو بسبب عقد طويل الأجل مع الوافدين قبل تراكم هذا العدد من الشباب المتعلم (لا تنسى أن مملكتنا عمرها صغير نسبياً إذا بدأنا الحساب منذ إنشاء الجامعات المختلفة وبدأها بتخريج الطلاب). فالمشكلة إذاً ليست بكثرة استعمال الوافدين بقدر ما هي قلة المشاريع أصلاً وضعف الميزانيات للمؤسسات الخاصة..
***
النقطة الأخيرة وهي الحد من طموح العاملين بهذه الوظائف فما أعرفه وأؤمن به هو أن "القرارات" وليست "الظروف" هي التي تحدد مصير الشخص وكما تقول الحكمة ليس عليك أن تكون عظيماً لتتحرك بل عليك أن تتحرك لتكون عظيماً. وقد تحدثت عن هذا في موضوع سابق.. "الميكادو".

***
وأخيراً عن السؤال هل تقبل الفتاة بالسباك أو الحلاق كزوج؟ فلا نستطيع الحصول على إجابة لمثل هذا السؤال هنا لأننا غالبية رواد المنتدى ذوي دخل جيد أو ممتاز. لكن هب أنك سألت الفتيات في مناطق معينة من الرياض تعرفها جيداً.. تلك المناطق التي لا تزال الشوارع فيها رملية ولا تستطيع التنقل بين منازلها بالسيارة لأنها ببساطة.. لا تستطيع أن تتحرك بسهولة للخلف أو التحرك يمنة ويسرة.. قد تعمينا حياتنا المرفهة عن الواقع بل لن أقول "قد" إنها الحقيقة أنها تعمي.. جرب واذهب إلى المنطقة خلف مستشفى الشميسي.. لترى العجب هناك.. ودعني أنقل لك وصفاً للـ د. محمد الحضيف وهو يصف تلك الأماكن من أحد رواياته..

((مرة أخرى يبرح بي الألم .. تبدو لغة المحرومين .. ساذجة .. بريئة ، لكنها تدمي القلب . يحق لك أن تزهو .. إبن الطبقة الوسطى ، أو فوقها بقليل .. تعرف الكوكتيل .. والسكالوب .. والستيك.. ها أنت أمام كائن يشاركك نفس الكوكب ..ونفس الوطن .. بل على الطرف الثاني من المدينة .. ربما لم يعرف سائلا غير الماء في حياته .. أو معلبات الكولا ، التي تعمل عمل الأسيد في قنوات جهازه الهضمي.
أعرف هذا الحي . جئته في أحد المساءات، بصحبة صديق ملتزم ، من الناشطين في الأعمال الخيرية لتوزيع صدقات عينيه ومالية. فأنا رغم تعاطفي مع حالات البؤس الانساني ، إلا أنني سلبي جدا في التعاطي معها . أحتاج إلى وقت طويل ، لأتفاعـل مع الحدث ، أو الحالة ، وأحتاج لوقت مثله ، لأترجم التفاعل إلى فعل ..
...
...
بعدما طرقت باب أحد تلك المنازل أخذت، وأنا انتظر الرد ، أقلب طرفي فيما حولي .. لفت نظري أن كل بيت لا يكاد يخلو من طبق من أطباق الاستقبال الفضائية التلفزيونية (الدش) .. بل إن بعضها يتربع على سطحه أكثر من واحد .. تساءلت في نفسي .. : أي واقع إجتماعي سيتشكل ، عندما يجتمع في هذه البيوت .. الفقر .. والظلم الاجتماعي والمشاكل الأسرية .. وإنخفاض مستوى التعليم .. وفضائيات تصب العنف ، والجنس ، والرذيلة .. في عقول ساكنيها ..؟
...
...
طلبت مني الدخول إلى غرفة تفتح على الممر المؤدي إلى داخل المنزل ، يبدو أنها (المجلس) المعد لإستقبال الضيوف. جلست على فرش (موكيت) متآكل .. قد ذهب لونه . كان هناك مسندتان للظهر .. أو ثلاث .. ولا شئ غير ذلك .. في السقف يوجد مروحة عتيقة ، ولمبة (فلورسنت) 40 شمعة ، أطرافها معتمة لطول الاستخدام . على الجدران المدهونة ، بلون أبيض مطفي ، يوجد خربشات أطفال .. لفت نظري أحدها ، يقول : "الدهر يومان .. يوم لك ، ويوم عليك" .." ..

لاحظت أن مثل هذه (الشعارات) مشترك (ثقافي) ، بين الاغنياء والفقراء .. لكن .. كيف يفهم كل فريق (اليومين) .. اليوم الذي له .. واليوم الذي عليه ..؟))
قد لا يكتفي الكلام وحده.. ولكني متأكده أنك بزيارة تلك الأماكن.. تسدرك بأن راتب الـ 1400 نعمة كبيرة.. تتمناها فتاة في مكان ما..

في النهاية.. مشكور على النقل.. والإطالة في الرد كانت لأن الموضوع للنقاش وتبادل الرأي..